المادة    
  1. اضطراب المصريين والبابليين والرومان

    فعلى سبيل المثال:
    اعتمد المصريون القدماء السنة الشمسية اعتبارياً -يعني: عددياً- فجعلوا السنة ثلاثمائة وستين يوماً؛ مقسمة إلى اثني عشر شهراً، وكل شهر جعلوه ثلاثين يوماً, وأضافوا خمسة أيام فجعلوها أعياداً, بحيث تصبح السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً.
    وبالنسبة للبابليين الذين اعتمدوا التقويم القمري تكون السنة لديهم ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوماً, فإذا أضيفت أعياد أو إذا أضيف كبس تصبح ثلاثمائة وستين يوماً.
    والرومان أجروا عدة تعديلات: التعديل الجيولياني أو التعديل الجورجي المتأخر عند ظهور النصرانية، ففي كل مرة يكون هناك تعديلات.
    ومن الطريف في هذا أن البعض لا زال يفتخر بأن البابليين استطاعوا التوفيق بين الحساب القمري والحساب الشمسي؛ بأن جعلوا في كل تسع عشرة سنة سبعة أشهر، وهذه السبعة الأشهر تقارب أو تكمل هذا.
    وهناك من جعل المدة أوجز من ذلك كالرومان مثلاً؛ فالرومان وجدوا أن الفرق بين السنة القمرية والسنة الشمسية أحد عشر يوماً، والواقع أنه ليس أحد عشر يوماً بالدقيقة تماماً؛ لكن تقريباً، فجعل الرومان طريقة عجيبة؛ وهي أنهم يأتون إلى سنة من السنوات ويجعلونها قمرية, ويكون مجموع الأيام ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوماً, وفي السنة التي بعدها يضيفون إليها اثنين وعشرين يوماً -يعني: أحد عشر يوماً للسنة الماضية, وأحد عشر يوماً لهذه السنة- فتكون هذه السنة ثلاثمائة وسبعة وسبعين يوماً, وفي السنة الثالثة ترجع ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوماً, وفي السنة الرابعة لا يجعلونها ثلاثمائة وسبعة وسبعين مثل الثانية؛ بل يضيفون يوماً من أجل الكبس؛ حتى يتم التوازن, فتكون ثلاثمائة وثمانية وسبعين يوماً!
    فهذه أمثلة للاضطراب والخلل الذي يحصل عند محاولة البشر الوصول إلى الدقة في هذا الشأن.
  2. اضطراب النصارى في أوروبا

    وفي الدولة الرومانية وطبعاً أغسطس هو المؤسس للدولة, وولد المسيح عليه السلام في أيامه، وولادة المسيح عليه السلام بالضبط في السنة الخامسة قبل الميلاد المعروف الآن؛ لأن الحساب كان خطأً, فقد أخطأت الكنيسة في حساب ولادته وأخرته خمس سنوات, فمثلاً: إذا نحن الآن في عام (2005) فالمفترض أن نكون في عام (2010), وهذا شيء معروف عندهم.
    المقصود من هذا: أن الكنيسة أرادت التعديل بعملية طويلة, من أهمها وأشهرها: تعديل البابا جوري جوري ، الذي وجد أن تراكم الأخطاء قد يحتاج إلى زيادة عشرة أيام، فأعلن رسمياً في الكنيسة زيادة عشرة أيام في التقويم, هكذا اعتباراً فقط، فلو كان مثلاً: اليوم واحد أكتوبر, فسيكون غداً أحد عشر أكتوبر.
    طبعاً أسماء الشهور هذا موضوع آخر قد تأتي له حاجة فنذكره أو لا تأتي له حاجة فنعرض له؛ لكن المقصود أن عشرة أيام أضيفت في آخر القرن السادس عشر تقريباً، واعتمدت ذلك الكنيسة في إيطاليا وفي فرنسا ؛ لأنهما كانتا خاضعتين للبابا.
    الدين النصراني في الجملة خرج عن الأشهر القمرية الكتابية النبوية التي عندهم، وأصبح بالتقويم الشمسي؛ لكي يوافق التقويم الروماني الوثني، فتاهوا واختلفوا واضطربوا, واختلفت أعيادهم كذلك.
    إذا أخذنا مثلاً لذلك: نجد في دول أوروبا الشرقية: اليونان و روسيا والدول الأرثوذوكسية عموماً، نجد أن الفرق يقارب خمسة عشر يوماً ما بين تقويمهم وبين التقويم الغربي، الذي يسمى ميلادي, والذي -مع الأسف الشديد- يكاد أن يطغى ويغلب على العالم العربي الإسلامي، حتى في البلاد التي لم يدخلها الاستعمار مثل اليمن, فقد أصبح المعتمد عندهم هو الأشهر الغربية, والتقويم الغربي، على ما يقع فيه من خلل, وما فيه من أخطاء، وهو اعتباري وضعي, وليس وحياً ولا مطابقاً للحقيقة.
    المهم: أنه في الاتحاد السوفيتي بقيت هذه الخمسة عشر يوماً أو الأربعة عشر يوماً فارقاً بينهم وبين التقويم الغربي؛ لأنهم رفضوا أن يتبعوا ما عدلته الكنيسة الكاثوليكية، فبقي على الفارق حتى قامت الثورة الروسية، فعندما قامت الثورة الروسية أرادوا أيضاً إلغاء التقويم الديني -بل والدين كله من الحياة- فوقعوا هم أنفسهم في الخلل؛ لأن الثورة كانت في خمسة وعشرين سبتمبر, فأضافوا الـخمسة عشر يوماً ليوافقوا التقويم الغربي، فأصبحت في أكتوبر!
    والحقيقة: أن تسميتها ثورة أكتوبر غير صحيح إلا باعتبار التقويم الغربي! وهم لما ألغوا أول الأمر كلا التقويمين الدينيين ولم يعتبروهما, وضعوا تقويماً ثورياً، ووضعوا نظاماً خاصاً بالثورة, واعتبروا الثورة هي بداية التقويم، وهم بذلك يقلدون الثورة الفرنسية، والثورة الفرنسية لما وضعت نظاماً يختلف في أسابيعه وفي أيامه وفي شهوره عن النظام الكنسي؛ وقعت في مأزق, حتى جاء نابليون فألغى ذلك النظام.
    الثورة الروسية ظنوا أنهم وضعوا نظاماً أفضل؛ بأن جعلوا الأسبوع عشرة أيام, واليوم العاشر عطلة، وبهذه الطريقة لا يعملون لا بالتقويم الغربي, ولا بالتقويم الشرقي.
    الذي حدث أنهم بعد فترة وجدوا أن التقويم الثوري لا يصلح! فاضطروا إلى إلغاء التقويم الثوري، فرجعت الكنيسة إلى تقويمها الشرقي، أما الدولة فأخذت تتعامل بالتقويم الغربي الجوري جوري، فأصبح في البلد في وقت واحد ثلاثة تقاويم: المتعصبون للشيوعية على تقويم الثورة، والمتعصبون للأرثوذوكسية على التقويم الأرثوذكسي، والمقلدون للغرب أو التقويم الحكومي على التقويم الغربي.
    وهكذا نجد الاضطراب حصل في بريطانيا, ولم يقبل الشعب البريطاني إلا في منتصف القرن الثامن عشر أن يأخذ بالتقويم الجوري جوري، ويضيف الأحد عشر يوماً الزائدة, والتي أصبحت أربعة عشر يوماً بسبب الكبس, وعدم الكبس أيضاً كما أشرنا.
    الشاهد مما سبق: أننا نأتي بأمثلة لبيان الخلل والاضطراب الشديد الذي يقع عندما تكون السنة أو الشهور كلها عددية اعتبارية وضعية، ولا يراعى فيها حقيقة فلكية ثابتة ومشاهدة ومحسوسة.
  3. اضطراب العرب في الجاهلية

    لو رجعنا للعرب في الجاهلية نجد أنهم كانوا يستخدمون النسيء، والنسيء كان على نوعين:
    النوع الأول: هو تحليل الأشهر الحرم, وتحريم الأشهر الحلال؛ فيؤخر محرم مثلاً فيصبح محرمين, أو يصبح صفر هو المحرم, هذا نوع.
    النوع الثاني: هو أيضاً محاولة مطابقة الأشهر القمرية للشمس، فوجد أن الفرق أحد عشر يوماً، فجعلوا كل ثلاث سنوات شهراً يضاف إلى الاثني عشر شهراً، فتصبح السنة بعد ثلاث سنوات ثلاثة عشر شهراً؛ حتى يتقارب الزمن لديهم بهذه الطريقة.
    بمعنى آخر: كان العرب أيضاً على نفس الخطأ الذي وقعت فيه الأمم القديمة من المصريين والبابليين والآشوريين، وأيضاً وقعت فيها أوروبا سواء كان عن طريق التقويم الروماني أو عن طريق التقويم الجوري جوري، فكانت هناك نفس المشكلة في تحديد الزمن، ولم يكن هناك معلم واضح يمكن للناس أن يحددوا به أو يعتبروا به؛ لأن الناس لم تكن تميز؛ إما أن تجعلها عددية, وإما أن تجعلها كلها طبيعية, فلا تفرق بين هذا، فهي تحتاج إلى الحسم في هذا الباب.